Your Baby


تضحك. كيف تضحك في هذا الموقف، ماذا سيقولون عنها...
كانت المرة الأولى التي تشعر بها بأثر التخدير الطبي الموضعي الذي سمعت عنه سابقاً عشرات القصص، لكنها لم تتوقع أن الأمر سيكون مثيراً للدغدغة إلى هذا الحد، خاصة عند نهاية عمودها الفقري.
بحثت في وجوه الأطباء المطلة فوقها على أثر خطوط الضحك المنسية حول الفم، علها تدل على كوميدية أحدهم ليعذرها إذا قهقهت عالياً في مثل هذا الموقف، لكنها لم تر غير الطبيبة التي تتكلم الانجليزية بتلك اللكنة البريطانية الجافة، وهناك الطبيب الهندي الذي يبدو مشغولاً بأدواته.
لم تضحك.. اختفى الإحساس بالدغدغة ولم يعد هناك سوى اللاقدمين واللابطن واللاظهر واللاساقين، فالبنج الموضعي شل ما تحت سرتها حتى أظافر قدميها.
ولم يلبث أن خاطبها الطبيب الهندي ليقترح مسكناً يجعلها تنام، بعد أن رأى ضربات قلبها تتراكض على جهاز التخطيط الموجود في الغرفة... لم ترد.



انتقل انتباهها إلى الشاش الأبيض أمامها الذي يفصل وعيها عن الجزء السفلي، حيث مشرط الطبيبة يفتح لحمها.. كل ما تراه خيالات، وتحس بما يشبه دبيب أرجل عنكبوت على أسفل بطنها... وعي غاب عن الجسد لكنه لم يغب لحظة عن الانتظار.
انتظار موقف سينمائي حين تحكيه، لكنه في الحقيقة واقع غائر في الحياة. انه وعد تلك الممرضة الجنوب أفريقية حين قالت: "نفتح رحمك ثم نخرجه لتري طفلك لأول مرة".
طفلها.. أين هو؟ الخيالات خلف الشاش الأبيض تزداد سرعة.. شعرت للحظة كأنها قاعدة حديدية لماكنة كهربائية تتحرك تروسها وأقطابها يساراً ويمنياً.
النعاس يهاجمها– يبدو أنه مفعول مخدر الطبيب الهندي- تقاومه.. ستشعر بالذنب إذا فقدت تلك اللحظة، ولم تر جنون تسعة شهور من الخلق.
كان ذلك هو الأمر ببساطة: كل العالم يحمل ويلد وتتكاثر فيه البشرية "بالإنجاب والمرايا"، إلا رحمها فكأن كل حالات الحمل الولادة تلك، التي لا يدرك العالم شاعريتها، تكومت فيه. إرهاصاتها وظروفها وخلجاتها عششت في أعصابها. هي.. قلبها هي.. عقلها هي.. طوال تسعة شهور من ترقب الوقت والإحساس بخربشة كائن صغير في بطنها.
أين هو هذا الإنسان الصغير؟ الانتظار يطول وهي خائفة أن يزحف "الخدل" لعينيها، وتغيب عن......... فتحت عينيها على صوت صغير يبكي، لكنها لا ترى صاحبه.. ربما نسوا أنها أمه.. لا تدري.. تنادي، إلا أن حروفها لا تخرج.. تسمع صوت بكاء غير صافٍ، كماء يخرج متقطعاً من حنفية قديمة تزعق فيها حشرجة الهواء.
تعرف أن ابنها ليس ماسوراً حديدياً، لكنها تريد فقط التأكد من ذلك ورؤيته في لحظة الغياب والوعي تلك.
"your baby"

... هذه الجملة الباردة سبقت عرض كائنها المتسخ والعاري، من شعره المبلل حتى أطرافه التي تتلوى وكأنه حلزون بشري.. إلا أنه حلزون يدفعها للبكاء.. بكاء يخرج من الروح شهقات.. وربما دموعاً ساخنة.
بكاء يحمل الخوف على هذا الحلزون من عالم ستورّثه إياه.. وخائفة أن يحملها الذنب حين يأتي وقت تخيب هذه الحياة ظنه وأمله بها.. بكاء يطبع جرحاً جديداً في القلب، اسمه القديم: الحب.

0 Responses