ورقة واحدة مشوشة

ورقة واحدة وعينان حزينتان كأولئك الدراويش الهائمين في حضرة التواشيح والذكر، هذا كل ما تملكه حين يشدها تجلي اللغة من شرايين قلبها لتدخل إلى نار الكتابة وتحترق بألسنتها ...تعرف أن ورقة واحدة لا تكفي كي تكتب إلا أنها غالباً لا تمتلك غير ورقة واحدة وبالأحرى ظهر ورقة مشوشة بالكتابة من الجهة الأخرى.
وتصبح الكتابة عندها ليست فقط موسومة بقلق المعنى بل بقلق آخر فني انه ضيق الورقة أمام اتساع اللغة..ومتأكدة أن هذا القلق الفني الذي يعكر صفو السرد ليس صدفة بل هي من يتآمر على هذا النقص..فالبياض يخيفها ويجبرها على ملئه بنزيف كتابة يقربها من الموت للوصول إلى النموذج.


وهذه الرغبة في الوصول تلح عليها الآن فلا تجد سوى أكوام من الدفاتر المنتهية صلاحيتها بعد أن تزاحمت بها آلاف الكلمات ..انه جنون حين تدرك أن هناك دفاتر خالية من بعض فراغ..والأدهى أن تكون غارقة بمسائل الميكانيكا والرياضيات التي تكره المنطق غير المبرر فيها فلماذا 1+1=2 ؟..انه منطق فارغ يشبه الغوص في بئر عميق ثم الخروج بلا شيء .
..أخيراً وجدت بضع صفحات بيضاء في نوتة أرقام هاتفها فكتبت عن المنطق في الحب، متذكرة حبيباً عرفته وكان يؤمن بالمنطق وعقلنة العواطف إلى درجة أنه وضع لهما جدولاً يتقابلان وفقه والاستثناءات نادرة جداً، فكان ذلك سبباًً كافياً ليخيم الصمت على علاقتهما وترحل عنه مصابة بالحنين والهذيان...ولم يستحق منها بعد ذلك سوى ظهر أبيض لورقة مشوش أمامها بالكتابة...أحياناً يشدها نزيف الكتابة إليه فتمسك بتلابيب اللغة وتوقف السرد المشتعل بالأزمنة الحميمة والأمكنة الغائبة، عن الجريان.

0 Responses