رجل في الأربعين



هي لا تعرف ماذا يعجبها في رجل يكبرها بعشرين عاماً، أو حتى لماذا تحبه؟ لكنها لا تنكر أن الأمر مثير، ربما لأنه يملك سلطة عليها، في حين لم تخضع قبل ذلك لسلطة الرجال.
في نظره، هي جميلة، وتكتب له قصائد تدهشه، وذات ضوضاء، وتغيظه دائماً بأنه لا يسرد النكات جيداً، مثلما تفعل. ويشعر أنها نوع غير مألوف من النساء، يرغب في تجربته.
أحياناً يتجادلان، ونادراً ما ينتهي الجدل ببكائها، وفي كل الأحوال يرضخ باختياره. وهناك أيام تقضيها بكاملها في مصالحته.
هذا المساء اقترب هو من حافة الجنون، فقد تأخرت عن موعدهما. أخذ يراقب الكتب المبعثرة على الرفوف الخشبية البيضاء، التي قالت عنها حين دفعها إليها في لحظات حبهما: "أبعِد قبلاتنا عن أرشيفك الكئيب".
ينظر إلى ساعته. يتناول القهوة، وأحياناً يراقب نفسه في المرآة، متذكراً حين همست في أذنه: "لن أتركك بسبب وجود الشيب في شعرك، فلا داعي لصبغه".. يبتسم: "كم أحرجتني ليلتها.. إنها تحكمني"، وأحياناً أخرى يكلمها (نفسه): "تخيفني مشاعري وضعفي عن ملاحقتها.. الأمر تجاوز حده".
 في اليوم التالي دخلت مبتسمة إلى مكتبه، تعتذر عن عدم حضورها، لكنه لم يدعها تكمل: "لا حاجة لأي أعذار.. لم يعد هناك ما يقال بيننا"، وكأن رصاصة أصابت قلبها. خرجت مسرعة. لم تفهم ماذا حدث؟ كتبت له العديد من الرسائل والقصائد، محاولة اجتياز العشرين عاماً، التي ظهرت فجأة، لكنه كان جامداً وبارداً، مثل حجر الصوان. كان كأنه ينتقم من حبه.

مرت الشهور، وازداد افتقادها له، فأغرقت نفسها في العمل، لكن تفاصيلهما الحميمة لا تغيب عنها. تستنشق رائحتهما في شوارع المدينة، التي لا تخلو من أصداء صوته المبحوح. وحتى نكاته السيئة تلبستها، فيزداد ارتدادها إلى داخلها، وترى لأول مرة امرأة حزينة.
كان يريدها أن تكرهه ليرتاح ضميره، فكرهته. ورويداً.. رويداً حقدت على كل ما يذكرها به.. الأزقة، والكتب التي تناقشا حولها، وكل من يتكلم بلكنته المميزة تلك، أو يمتلك عينين تشبهان عينيه.
بالغت في تجنبه لتخفي عذابها. شدت أزر نفسها حتى أصبح رجال المدينة أشباحها.
في إحدى الأمسيات الشعرية انتظرها أحدهم عند باب القاعة، بدا أنه كبير في السن رغم وسامته، دعاها إلى فنجان قهوة لنقاش ملامح ديوانها القادم، وكانت هناك دعوة من نوع آخر في عينيه اللوزيتين، خطت معه الخطوة الأولى، وعند الثانية تنبهت إلى نفسها، واعتذرت ضاحكة: "حين أتأكد أنني لا أعاني من عقدة الكترا سأبحث في الدليل عن رقمك، وأتصل بك".


0 Responses