من الشمال إلى الجنوب و بالعكس

غادرتْ من جنوب الوطن إلى شماله، بعد أن انتظرته حباً ووردة.
تحدق أمامها وفي حضنها "فوضى الحواس".
ترقب الشارع الطويل، عله يظهر.
قلبت حقيبتها.. الدوزدان.. شاحن الجوال.. أقلام الكحل.
تبحث عن قلم قبل أن يهرب من ذاكرتها، فتخطه حروفاً وئيدة إلى الروح.. قبل أن يشغلها انطلاق السيارة، وسرعة مرور الأشجار، وكلمات الجدران، ومطاعم الفلافل الباهتة، عن اصطياد لحظاته، وحبسه بين دفاترها.. قبل أن يهرب من قلبها، كما هربت هي من قدره وابتعد عنها، حيث أخذته الحياة والدروس الخصوصية وابنته.
"التي لم يكن اسمها مثل اسمي كما وعدتني.. بل أصبحنا مثل كل المحرمات التي تزورنا ليلاً في مساءات اللاوعي والكوابيس.. بيننا أسوار وممرات أركض فيها بحثاً عنك، لكنني لا أجدك...الجنوب أنت، وأنت الوطن، والشمال تكتيك مرحلي ينسيني بقايا غصة في الحلق والمنام".


أخبروها أنه نصح طالباته بتجاوزه، فلا يبقين مرضى الحب الأول، كما هو بعد ستة أعوام مرت ولم تقابله فيها، وكأن الصدف ذاتها تتآمر على من تركض وراءه وهماً ولا ترى سوى ظهره متجهاً إلى البعيد.. ظهره الذي تمنحها إياه دقائق التأخير وتمنعها عن القول: "ها أنا، لا أزال محكومة بك"، وربما يكسر وقتها سحر الفراق، وتجعله لقاءً تافهاً دبقاً!
لماذا الوطن شمالاً و جنوباً، إذا خلا كلاهما من الحب؟
ماذا تفعل؟ تتنكر بجانب بيته شجرة، وربما حجراً، علها تلمح قميصه على حبل الغسيل.. منزله المكان الوحيد الذي اشتهته دون رؤيته أو الوصول إليه.. أربعة أعوام كتبته خلالها أسعداً وجابراً وهاء الغائب ولم يتغير شيء.
 لا الحروف أعادته أو الأفكار غيرته.. "أنت أنت ذاتك الرجل الذي يفقد السعادة حين يعرف أنه سعيد.. الرجل الذي كان يقفز من سريره واعداً نفسه بتغيير حياته وعجزه، والآن أصابه ثقل الوزن حتى غدا غير قادر على المشي إلى حواكير البرتقال، لتأتي لي بطوق من أزهارها، كما كنت تفعل في صباحات المدرسة الندية".
"أنا في الشمال، وأنت في الجنوب، ولم يتغير شيء.. قالوا لي إن زوجتك حامل مرة أخرى، وقالوا لك إنني لا أزال أركض وراء اللغة.. وبينهم وبيننا لاشيء، وبينك وبيني كل شيء..".


0 Responses