تفاصيل رجل عاشق



أَنظر إلى الساعة. إنها الواحدة وسبع عشرة دقيقة بعد منتصف الليل، يعني أن عقارب الساعة في منزلك تشير إلى الثالثة وثماني عشرة دقيقة فجراً.
 أتخيلك ترتدي بيجامة قطنية بيضاء، وربما ذلك (الترنغ) الأزرق.. تمشي حافياً بأصابع قدميك الطويلة المشعرة، متنقلاً بين أرجاء منزلك وحيداً، وربما تتوجه إلى الثلاجة متناولاً زجاجة الماء، فتشرب، وتشعر فجأة عندما ينزل الماء إلى جوفك كأنك لم ترتوِ أبداً.. (قَلِق كلانا يعرف ذلك..)
ترجع الى الكنبة الزرقاء، تجلس أمام التلفاز وأنت تكرر الأفلام ذاتها.. تنعس.. تتوجه الى المطبخ.. تسمع صوت خطواتك وأنفاسك لأنك وحيد.. والمنزل واسع والمنطقة هادئة، ولأسبابٍ أخرى، مثل أنك تثير ضجة كبيرة بالنسبة لقدمين اثنتين فقط.
وليست خطواتك وحدها ذات الصوت المرتفع، ويداك أيضا تثيرانه بعبثهما بالأواني، وأنت تحاول صنع القهوة. اضافة الى تكات الولاعة كل خمس دقائق.
وهناك ضجة الأضواء التي تتناساها منارة في المنزل، متلمساً الونس، وربما ضوضاء قرية "البندار" النائمة في ذاكرتك.

القهوة بدأت تغلي وأنت تراقبها. لا شيء يستعجلك.. الفيلم تستطيع أن توقفه، أو تعيد لقطاته، والزمن ملكك في مثل هذه الأوقات، لتمارس حبك في مراقبة التفاصيل.
ترجع الى الكنبة الزرقاء.. تضغط زر التشغيل، ليأخذك سكون الحركة إليها.
إلى تلك البعيدة الجميلة، كما تحب أن تناديها.. إلى تلك التي كتبت لها "يا لجهلي بهن قبلك".
تهز رأسك محاولاً التركيز على الشاشة، إلا أنك سرعان ما تضيع في امتداد البصر حولك، وتتخيلها تتنقل بين الغرف بقميصها الحريري.. حافية هي الأخرى، تطفئ الأنوار خلفك، مذكرة إياك بالتوفير والمستقبل، وأنك لست بحاجة لخلق ضوضاء، فضوضاؤكما تكفي..!!
تعاتب نفسك على أحلام اليقظة تلك، وتذكرها "نفسك" أنك كبير كفاية لتلزم الواقعية.. وتنسج لروحك الطريدة القلق تحت مبررات نظريات المعرفة، وعدم اكتمالها بينك وبين البعيدة.
تستيقظ في اليوم التالي مصراً أن تنسج لها القلق أيضاً، تخبرها بهواجسك الليلية الكثيرة، وعندما تحزنها، تتذكر قدميك الحافيتين الوحيدتين، وبيجامتك البيضاء الخشنة، فتناديها بالجميلة، وأن إحساسك بها يكفيك، وتهمس لها: "لا يهمك فالمعرفة قيد".
فترد عليك البعيدة: "إذا كانت المعرفة حدسية بالتأثر المباشر، ومنطقية تأتي بالمجهود العقلي كما يقول بنديتوكروتشه، فماذا تبقى لي كي أعرفك؟ غير أني لا أزال أجهل طعم عينيك".
  

0 Responses